الكبار لا يترددون أبداً في تقديم عبارة الأسف “أنا آسف” عند وقوع الخطأ منهم ، ولا فرق عندهم لمن تُقدم هذه العبارة ، لرجل أو امرأة ، صغير أو كبير ، فالاعتذار عند الكبار يشمل كل أحد.
وكلمة “أنا آسف” لا يعتبرها الكبار ، عيب يستحيون منه ، أو نقيصة يتهربون منها ؛ بل هو خلق يتقربون به إلى الله ، وسلوك إيجابي يتحلون به ويُزينون به أخلاقهم ، فالاعتذار لا يقلل من قدر الإنسان ولا من قيمته ، بل يرفعه في أعين الناس.
وكلمة “أنا آسف” خلق جميل ، وأدب كريم ، تخرج من قلوب الكبار قبل أن ينطق بها لسانهم ، فيُداوون بها قلباً مجروحاً ، أو يجبرون خاطراً مكسوراً ، فيُزيلون غضباً شديداً في النفوس ، كم من المشاكل والخلافات التي تقع بين الأقارب والأصدقاء والجيران والموظفين وفي الأسرة ويكفي لعلاجها واتقائها مجرد اعتذار بدلاً من تقديم الأعذار والمبررات التي يحاول بها الصغار والضعفاء تبرير أخطائهم ، التي يحاولون من خلالها التملص من تحمل المسئولية ، أو تجميل الصورة والظهور بالمظهر اللائق أمام الناس ، فتتفاقم المشاكل ، ويزداد الجرح إيلاماً.
والاعتذار من أخلاق الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، فنبي الله آدم عليه السلام اعترف بذنبه لما أخطأ وسارع إلى ذلك ، ولم يُحاول تبرير ما وقع فيه من إثم بمخالفة أمر الله ، والأكل من الشجرة المحرمة عليه هو وزوجه ، لم يُراوغ ، لم يتكبر ، لكنه جاء معترفاً بخطئه ومُقراً به قال تعالى: “قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ”. [الأعراف:23].
وبين الفعل وردة الفعل لحظات من التفكير ومساحة للتفسير تتحكم في تصرفاتنا وانفعالاتنا ونظرتنا للحياة ، وخلق الكبار كبير ، وصبرهم عظيم ، فهم لا يبررون أخطائهم ولا يجادلون في المواقف التي ظهر فيها خطأهم ، بل يسارعون إلى الاعتذار ، والاعتراف بالخطأ ، والصبر على من أساء إليهم ، وإليكم هذه النماذج المشرقة من أخبارهم:
قال رجل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: “والله لأسبنك سبًّا يدخل معك قبرك” ، فقال أبو بكر: “بل يدخل معك لا معي”.
وقام عمر بن عبد العزيز رحمه الله يصلي الليل في المسجد ، وكان السراج قد انطفأ، فاصطدمت قدماه برجل نائم، فقام النائم وقال: “أحمار أنت ؟”.
قال عمر: “لا أنا عمر بن عبد العزيز ولست حماراً”.
وزاحم رجل سالم بن عبدالله رحمه الله في الطواف، وضيق عليه ثم قال له: “أنت رجل سوء” ، فقال سالم: “ما عرفني إلا أنت”.
وقالت امرأة عبدالله بن مطيع رحمه الله له: “ما رأيت ألأم من أصحابك، إذا أيسرت لزموك، وإن أعسرت تركوك”.
فقال: “هذا من كرمهم، يغشوننا في حال القوة منا عليهم، ويفارقوننا في حال العجز منا عنهم”.
وكتب رجل إلى صديق له بلغه أنه وقع فيه:
لئن ساءني أن نلتني بمساءةٍ .. فقد سرّني أني خطرت ببالكَ.
وسُرق للربيع بن خثيم رحمه الله فرس، فقال أهل مجلسه: “ادع الله على سارقه”، فقال: بل أدعو الله له، اللهم إن كان غنيًّا فأقبل بقلبه، وإن كان فقيراً فأغنه” ، وشتم رجل الإمام الشعبي رحمه الله فقال له:
“إن كنت صادقًا ، فغفر الله لي ، وإن كنت كاذبًا فغفر الله لك”.
وباختصار قول أنا “آسف” والاعتذار والصبر على أذى الناس وسوء أخلاقهم من أخلاق الكبار.
التعليقات
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حياك الله شيخنا الفاضل أبا طارق
نعم صدقت ووفيت وأعطيت الموضوع حقه
الكبار هم زينة المجالس والحاضرين
بحنكتهم وحلمهم وعلمهم وفهمهم للدنيا كما يجب
إن الموضوع الذي تطرقت إليه سيدي الفاضل رائع جداً
ولقد ألممت بجميع جوانبه
فبارك الله في شيخنا الهمام وزاده الله علماً وهبة وسعة صدر وغلبة على الأعداء وإسكاتا للسفهاء واحتراما وإجلالاً لأصحاب المقام الرفيع
وحفظا من كل شيطان رجيم
وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
ما أجمل الأخلاق، وما أجمل حاملها سواءً صغيراً أو كبيراً.
جزاك الله خيراً على كتبت.
اترك تعليقاً